فصل: فصل في ذكر موانع الميراث:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البهجة في شرح التحفة (نسخة منقحة)



.فصل في ذكر موانع الميراث:

أي: الأوصاف التي تمنع منه.
الكُفْرُ وَالرِّقُّ لإرْثٍ مَنَعَا ** وَإنْ هما بعدَ الممَاتِ ارْتَفَعَا

(الكفر) الأصلي (والرق) وإن بشائبة حرية كمكاتب وأم ولد ومدبر ومعتق لأجل ومعتق بعضه (لإرث منعا) فإذا كان لحر مسلم ابن كافر أو رقيق ومات الأب أو الابن لم يرث أحدهما الآخر، بل مال الكافر لورثته الكفار ومال الرقيق وإن بشائبة لسيده، هذا إذا استمر الكفر والرق إلى القسم، بل (وإن هما بعد الممات) وقبل قسم المال (ارتفعا) بل أسلم الكافر أو عتق العبد في عقب الموت وقبل القسم إذ بزهوق الروح انتقل الإرث للغير.
وَمِثْلُ ذَاكَ الحُكْمُ في المرْتَدِّ ** وَمُطْلَقاً يَمْنَعُ قتلُ العَمْدِ

(ومثل ذاك) المذكور في الكفر الأصلي (الحكم في المرتد) العارض كفره، فإنه إذا مات قريبه زمن استتابته لم يرثه ولو رجع للإسلام ولو مات هو على ردته لورثه بيت المال، وهذا إذ جهر بالارتداد، وأما إذا أسر به وهو الزنديق فإنه يقتل بغير استتابة وماله لورثته المسلمين نظراً إلى ما كان يظهره من الإسلام (خ): وقتل المستتر بلا استتابة إلا أن يجيء تائباً وماله لورثته، (ومطلقاً) من غير تقييد بالدية (يمنع قتل العمد) العدوان فلا يرث من مال ولا دية إن صالحه الأولياء بها إجماعاً معاملة له بنقيض قصده لا لتأديته لخراب العالم لأنه محفوظ بمشروعية القصاص، وظاهره باشر القتل أو تسبب فيه، وظاهره ولو كان القاتل صبياً أو مجنوناً، وهو كذلك على ما نقله الطرطوشي وغيره عن مالك قائلاً لأن المراهق قد يتصابى وهو محتلم وقد يتجان وهو عاقل، ومفهوم العمد أشار له بقوله:
وَإنْ يَكُنْ عن خَطَإ فمنْ دِيَهْ ** وَحالةُ الشَّكِّ بمنْعٍ مُغْنِيَهْ

(وإن يكن) القتل ناشئاً (عن خطأ فمن) إرث (دية) يمنع لا من إرث المال (خ): ولا يرث قاتل عمد عدواناً وإن أتى بشبهة كمخطئ من الدية إلخ. نعم يرث قاتل العمد والخطأ الولاء كما قال في التلمسانية: ويرثان مع الولاء إلخ. ومعنى ذلك أن من قتل شخصاً له ولاء عتق والقاتل وارث الشخص المذكور فإنه يرث ماله من الولاء وليس معناه أن المعتق بالكسر إذا قتل عتيقه يرثه، بل هذا حكمه ما مر من التفصيل بين العمد والخطأ، ومفهوم عدوان أنه لو قتل موروثه في باغيه أو قصاص لم يمنع من إرثه (خ) في الباغية: وكره للرجل قتل أبيه وورثه إلخ. وكذا لو قتله يظنه حربياً وحلف أو قتله على وجه اللعب أو تأديباً كما مر أول الدماء، فإن ذلك كله من الخطأ لا يمنع إرثه من المال بل من الدية فقط وقوله: وإن أتى بشبهة يعني كما لو رمى ولده بحديدة فإنه لا يقتل به كما مر في الدماء ولكن لا يرثه.
تنبيه:
لو أنفذ مقتله وارثه وأجهز عليه غيره، فمذهب ابن القاسم، ورجحه ابن رشد أنه لا يقتل به المجهز وإنما عليه الأدب، وإنما يقتل به المنفذ لمقتله وعليه فلا يرثه وقيل: يقتل به المجهز فقط وعلى الآخر الأدب لأنه بعد إنفاذها معدود من الأحياء يرث ويورث ويوصي بما شاء من عتق وغيره، فإذا مات أخوه قبل زهوق روحه، فإنه يرثه. وإذا كان له أخ عبداً وكافر فأسلم أو عتق بعد إنفاذها وقبل زهوق روحه فإنه يرثه. (وحالة الشك) في التقدم والتأخر أو القتل عمداً أو خطأ (بمنع) ميراث (مغنيه) فإذا ماتوا تحت هدم أو في سفر أو غرق أو حرق ولم يعلم السابق من اللاحق أو علم وجهلت عينه فلا ميراث بينهم لأن الميراث لا يكون بالشك، والأصل فيه إجماع الصحابة رضي الله عنهم، فقد ماتت أم كلثوم بنت علي زوج عمر بن الخطاب رضي الله عنهم، وابنها زيد في وقت واحد فلم يرث أحدهما الآخر وكذا لم يتوارث من قتل يوم الجمل ويوم صفين ويوم الحرة إلا من علم أنه مات قبل الآخر، وعلى هذا فإذا مات رجل وابنه وأمه وإحدى زوجتيه تحت هدم مثلاً، فللزوجة الأخرى جميع الربع ويستبد بمال الميتة عاصبها، وكذا الأم والابن، وليس من هذا المعنى من مات عند الزوال بالمشرق مع من مات عند الزوال بالمغرب لأن زوال المشرق سابق على زوال المغرب.
تنبيه:
لا يدخل في كلام الناظم كما قررنا ما إذا شك في كون القتل عمداً أو خطأ، وبه قرر الشارح كلام أبيه، وقصره عليه لينتفي التكرار مع ما يأتي وهو ظاهر لأنه إذا شك في كونه عمداً أو خطأ، فهو محمول على العمد العدوان، إذ الأصل في أفعال العقلاء هو تعمدها، والقصد إليها إلا أن تقوم قرينة على عدم تعمدها من لعب وأدب ونحوهما كما مر أول الدماء، وإذا كان كذلك فلا يقال الشك في التقدم والتأخر شك في السبب وهو مؤثر، والشك في كون القتل عمداً أو خطأ شك في المانع الذي هو العمد وهو غير مؤثر، لأنا نقول: حيث كان محمولاً على العمد فلا شك، بل هو كمحقق الوجود والنصوص فيه تقدمت في باب الدماء فنبه الشارح وغيره على أنه إذا شك في كونه عمداً أو خطأ فهو محمول على العمد فيمنع الميراث والله أعلم.
وَيُوقَفُ القَسْمُ مَعَ الحَمْلِ إلى ** إنْ يَسْتَهِلَّ صَارِخاً فَيُعْمَلاَ

(ويوقف القسم) للتركة (مع) وجود (الحمل) الوارث كانت الحامل زوجة للهالك أو أمة أو غيرهما كامرأة أخيه أو عمه، وسواء كان الحمل يرث تحقيقاً أو احتمالاً كالأم في الأكدرية المتقدمة لأنها إن ولدت أنثى ورثت وإلاَّ لم ترث (إلى أن يستهل صارخا فيعملا) حينئذ على ما تبين من استهلاله فيرث ويورث، ومن عدم استهلاله فهو كالعدم، وهذا هو المشهور ونحوه قول ناظم عمل فاس:
ووقف قسم مطلقاً إذا ادعى ** حمل لزوجة لهالك نعى

وإنما وقف القسم لاستهلاله للشك هل يوجد من الحمل وارث أم لا؟ وعلى وجوده هل هو متحد أو متعدد وعليهما هل هو ذكر أو أنثى أو مختلف؟ وظاهره أنه يوقف جميع المتروك ولا يعجل للزوجة ونحوها أدنى من سهميها، وهو كذلك على المشهور عن أشهب يعجل القسم في المحقق فتعطى الزوجة أدنى سهميها وهو الثمن وتعطى الأم أدناهما أيضاً وهو السدس، وذكر سيدي محمد بن عبد الصادق في شرحه للمختصر أنه رأى بخط من يوثق به في قسم تركة الولي العارف بالله سيدي أحمد بن عبد الله: أنهم عزلوا حظ الحمل على أنه ذكر قال: وكذلك فعلته في قسمة تركة كبراء بعض الأشراف فوضعت أنثى فقسم فاضل الموروث بين الورثة. اهـ. وذلك لأن الغالب في الحوامل وضع شخص واحد ذكر أو أنثى فيعجل قسم ما عداه ويوقف ميراث شخص واحد لأنه المشكوك على قول أشهب، وقيل يوقف للحمل على قوله ميراث أربعة ذكور لأنه غاية ما وقع تحقيقاً لأن أم ولد أبي إسماعيل ولدت أربعة ذكور من حمل واحد باتفاق الرواة، وقيل يوقف ميراث خمسة، وقيل ميراث اثني عشر، وقيل أربعين. وقول الناظم مع الحمل إلخ. يعني مع ظهوره وثبوته بشهادة النساء، وأما لو ادعت المرأة أنها حامل فإن التركة توقف أيضاً حتى تضع أو يظهر عدم حملها بانقضاء عدة الوفاة وليس بها حمل ظاهر، وإن قالت: لست بحامل قبل قولها وقسمت التركة وإن قالت: لا أدري أخر قسم التركة حتى يتبين أنها ليست بحامل بأن تحيض حيضة أو يمضي أمد العدة ولا ريبة حمل بها قاله ابن رشد. فإن رجعت عن إقرارها بالحمل فلا تصدق حتى تمضي عدة الوفاة وتشهد القوابل بأنها ليس بها حمل ظاهر فتقسم التركة حينئذ قاله ابن هلال.
تنبيهان:
الأول: إذا وجب تأخير قسم التركة للحمل وكان للميت أم متزوجة بغير أبيه فإن ثبت حين وفاته أنها حامل بشهادة النساء، فإنه يرث ولو تأخر وضعه لأربعة أعوام أو لما فوقها فيما دون الخمسة أعوام وإن لم يثبت أنها حامل ولا عرف ذلك إلا بقولها كان له الميراث إن وضعته لأقل من ستة أشهر من موت أخيه، ولم يكن له ميراث إن وضعته لأكثر إلا أن يكون زوجها ميتاً أو غائباً يعلم أنه لا يصل إليها بعد وفاة ابنها، ولا تصدق المرأة ولا زوجها إن كان حاضراً وولدته لأكثر من ستة أشهر في أنه لم يطأها بعد موت ابنها قاله في قسمة المعيار عن ابن رشد.
الثاني: إذا فرعنا على المشهور وتعدى الورثة، وقسموا وأوقفوا للحمل أوفر حظيه، ثم هلك ما بأيديهم كله أو بعضه ضمنوا لتعديهم ولم يكن لهم رجوع فيما عزلوا إن سلم، وإن ضاع ما وقف للحمل فقط رجع على بقية الورثة وما وقف له وتلف كالعدم، فإن وجد بعضهم عديماً قاسم المليء منهم فيما بيده على حسب المواريث واتبع جميعهم المعدم كغريم طرأ على ورثة لا كوارث طرأ عليهم، ولو نما ما في أيديهم دخل عليهم فيه ولم يدخلوا عليه فيما نما بيده، فالقسمة جائزة عليهم لا عليه فإن قاسمهم وصيه أو القاضي أو مقدمه جازت عليه وعليهم، ومفهوم القسم أن الدين يعجل وهو كذلك (خ): وأخرت أي القسمة لا دين لحمل، وفي الوصية قولان محلهما في الوصية بغير عدد، وأما الوصية بالعدد فإنها كالدين تعجل اتفاقاً.
وَبَيْن مَنْ مَاتَ بِهَدْمٍ أَوْ غَرَقْ ** يَمْتَنِعُ الإرْثُ لجهلِ مَنْ سَبَقْ

(وبين من مات) من الأقارب (بهدم أو غرق يمتنع الإرث لجهل من سبق) كما تقدم عند قوله: وحالة الشك بمنع مغنيه.
وَإرثُ خُنْثَى بمَبَالِهِ اعْتُبِرْ ** وَمَا بَدَا عَلَيْهِ في الحُكْم اقْتُصِرْ

(وارث خنثى) وهو من له فرج ذكر وفرج أنثى أو لا يكونان له، ولكن له ثقب يبول منه، وهذا الثاني قد يتمحض للأنوثة بسبب حيض أو نبات ثدي وللذكورة بنبات لحية فقوله (بمباله اعتبر) خاص بالنوع الأول فإن بال من فرج الذكر فهو ذكر أو من فرج الأنثى فهو أنثى، وكذا لو كان يبول منهما لكن بوله من أحدهما أكثر خروجاً من الآخر أو كان خروجه منه أسبق من خروجه من الآخر، فالحكم للكثير وللأسبق كما قال: (وما بدا) من ذلك (عليه في الحكم اقتصر) وهذه العلامات تظهر في الصغير ولا إشكال إذ يجوز النظر لعورته، وأما الكبير فقيل يؤمر بالبول إلى حائط أو عليه، فإن ضرب بوله الحائط أو أشرف عليه فذكر، وإلاَّ فأنثى، وقيل تنصب له المرآة وتعقب بأن النظر لصورة العورة كالنظر لها. وقد يجاب بأن ذلك للضرورة حيث لم يمكن معرفة حاله بغير المرآة وظاهر إطلاقاتهم أنه لا يشترط التكرار فلو تحققت حياته وبال من أحدهما مرة واحدة ثم مات كفى.
وَإنْ يَبُل بالجهتين الْخُنْثَى ** فَنِصْفُ حَظَّيْ ذَكرٍ وَأُنْثَى

(وإن يبل بالجهتين الخنثى) واستويا في السبقية والكثرة وقف القسم إلى بلوغه إن كان غير بالغ على المشهور، ووقف حظ ذكر فقط أو أربعة على مقابله فإن نبتت له لحية دون ثدي أو أمنى من ذكره فذكر، وإن ظهر له ثدي كبير لا يشبه ثدي الرجال أو حاض ولو دفعة فأنثى، فإن ثبتت له اللحية والثدي معاً أو أمنى من فرجيه معاً أو بال منهما معاً واستويا في الكثرة والسبقية فهو خنثى مشكل دائم الإشكال، وميراثه من قريبه حينئذ ما أشار له بقوله: (فنصف حظي ذكر وأنثى) هو الواجب له أي نصف نصيبه بتقدير كونه ذكراً ونصف نصيبه بتقدير كونه أنثى، فإذا كان له على تقدير الذكورى ة سهمان، وعلى تقدير الأنوثية سهم واحد فيعطى نصف النصيبين وهو سهم ونصف، وهذا إذا كان يرث بكل التقديرين، فإن كان يرث بتقدير الذكورة فقط كعم أو ابن أخ أو بالأنوثة فقط كالأخت في الأكدرية فيعطى نصف ما يرث به وإن استوى إرثه بهما كأخ لأم أعطي السدس كاملاً.
واعلم أن الخنثى منحصر في الأولاد وأولادهم والإخوة وأبنائهم والأعمام وأبنائهم والموالي ولا يرث الولاء إلا حيث يرثه النساء لأنه ليس بعاصب إذ لا يستكمل المال كله، ولا يتصور أن يكون أباً ولا أماً ولا جداً ولا جدة ولا زوجاً ولا زوجة لمنع منا كحته ما دام مشكلاً. قال الزرقاني وغيره: فإن وقع وتزوج وولد له فلا شك أن الولادة إن حصلت من البطن فهو أنثى وإن حصلت من الظهر فهو ذكر إلا أن الولادة من الظهر لا يكاد يقطع بها، وقد قيل أنها نزلت بعلي رضي الله عنه في رجل تزوج بخنثى وأصابها، فوقع الخنثى على جارية لها فأحبلتها فأمر علي رضي الله عنه بعدِّ أضلاع الخنثى، فإذا هو رجل فزياه بزي الرجال وفرق بينهما، فإن ولد من الظهر والبطن فقد ذكر في المقدمات أنه يرث من ابنه لصلبه ميراث الأب كاملاً، ومن ابنه لبطنه ميراث الأم كاملاً. اهـ. ولا ميراث بين ولدي الظهر والبطن لأنهما لم يجتمعا في ظهر ولا بطن فليسا أبوين لأب ولا لأم، وعليه فلا يعتق أحدهما على الآخر إذا ملكه، وبه تعلم أن قولهم لا يتصور أن يكون أباً ولا أماً ولا جداً ولا جدة باطل، بل يتصور، وذلك كما رأيته ويتصور أيضاً بأن يوطأ بشبهة أو غلط أو زنا أو لكونه لم يعلم بحرمة مناكحته وهكذا، وقول الناظم: فنصف حظي ذكر وأنثى إلخ. هذا في الخنثى الواحد فإن هلك وترك خنثى واحداً ومعه وارث محقق الذكورة أو الأنوثة أو بيت المال، فإنك تصحح المسألة على تقدير تذكيره فقط وعلى تقدير تأنيثه فقط، ثم انظر ما بين المسألتين من تماثل فيكتفي بأحد المثلين أو تداخل فيكتفي بأكبرهما أو توافق فتضرب وفق أحدهما في كامل الآخر أو تباين فتضرب الكل في الكل، ثم اضرب الخارج في حالتي الخنثى، واقسم الخارج على التقديرين، فما اجتمع له فيهما فاعطه نصفه، وكذلك غيره ممن معه في الفريضة. مثاله: لو هلك وترك خنثى واحداً وعاصباً ولو بيت مال فعلى تقدير كونه ذكراً له الجميع، وعلى تقدير كونه أنثى له النصف من اثنين وبين المسألتين التداخل لأن الواحد داخل في الاثنين، فتكتفي بأحدهما واضربهما في حالتي الخنثى بأربعة له في التذكير أربعة بتمامها. وفي التأنيث اثنان نصف الأربعة فمجموع ما اجتمع له في الحالتين ستة فاعطه نصفها وهو ثلاثة واعط للعاصب واحداً لأنه نصف ما بيده، وكذا لو ترك خنثى وبنتاً فالتذكير من ثلاثة، والتأنيث من ثلاثة أيضاً فبين مسألتيه التماثل فتكتفي بأحد المثلين، واضربه في حالتي الخنثى يخرج له ستة في الذكورة منها: أربعة وفي الأنوثة اثنان فمجموع ما بيده ستة أيضاً اعطه نصفها وهو ثلاثة وبيد البنت أربعة تأخذ نصفها وهو اثنان يبقى واحد يأخذه العاصب، ومثال التباين لو ترك ابناً وخنثى، فعلى ذكوريته المسألة من اثنين، وعلى أنوثته المسألة من ثلاثة، وبينهما التباين فتضرب الكل في الكل بستة، ثم اضربها في حالتي الخنثى باثني عشر، فعلى الذكورية لكل واحد ستة، وعلى الأنوثة له أربعة وللابن ثمانية، فمجموع حظيه في الذكورة والأنوثة عشرة، فيأخذ نصفها وهو خمسة ومجموع ما بيد الابن أربعة عشر فيأخذ نصفها وهو سبعة. هذا كله في الخنثى الواحد، وأما إذا ترك خنثيين فإنك تصحح المسألة على أربع تقديرات على تقدير كونهما ذكرين معاً أو أنثيين معاً أو الأكبر ذكراً والأصغر أنثى، وبالعكس. ثم انظر ما بين المسائل من تماثل وتداخل وتوافق وتباين على نحو ما تقدم، واضرب الخارج في الأحوال الأربعة واعط لكل واحد ربع ما اجتمع له لا نصف ما اجتمع له كما يقتضيه عموم النظم، وإن كان الخناثى ثلاثة فصحح المسألة على ثمان تقديرات، واعط لكل واحد ثمن ما اجتمع له، وهكذا إذ نسبة الواحد الهوائي لحالتي الخنثي الواحد النصف، ولأربعة أحوال الخنثين الربع، ولثمانية أحوال الخناثى الثلاثة الثمن، وقس على ذلك. فلو ترك خنثين وعاصباً فالتذكير من اثنين والتأنيث من ثلاثة لهما الثلثان وللعاصب الثلث وهو واحد، وعلى تقدير كون الأكبر ذكر أو الأصغر أنثى وبالعكس المسألة من ثلاثة أيضاً، فهذه الفرائض الثلاثة الأخيرة مماثلة فتكتفي بواحدة منها وتضربه في اثنين التي هي فريضة تذكيرهما معاً لمباينتها لها يخرج لك ستة اضربها في الأحوال الأربعة بأربعة وعشرين أقسمها على كل حال من الأحوال الأربعة يحصل لكل خنثى في تذكيرهما معاً اثنا عشر، ولكل منهما في تأنيثهما معاً ثمانية، وللعاصب ثمانية ويحصل للأكبر في تذكيره فقط ستة عشر، وفي تأنيثه فقط ثمانية ويحصل للأصغر في تذكيره وتأنيثه مثله، فيجتمع لكل منهما في الأحوال الأربعة أربعة وأربعون، وللعاصب ثمانية ونسبة الواحد الهوائي إلى الأحوال الأربعة ربع فيعطى كل وارث ربع ما اجتمع له فالكل من الخنثيين أحد عشر، وللعاصب اثنان.
تتمة:
أول من حكم في الخنثى في الإسلام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وأول من حكم فيه في الجاهلية عامر بن الظرب بكسر الراء كما في الصحاح كانت العرب في الجاهلية لا تقع لهم معضلة إلا اختصموا إليه ورضوا بحكمه فسألوه عن خنثى أتجعله ذكراً أو أنثى فقال: امهلوني وبات ليلته ساهراً، وكانت له جارية اسمها سخيلة ترعى له غنماً وكانت تأخر السراح والرواح حتى تسبق، وكان يعاتبها على ذلك ويقول: أصبحت يا سخيلة أمسيت يا سخيلة، فلما رأت سهره وقلقه قالت له: ما لك في ليلتك هذه ساهراً؟ قال: ويحك دعي أمراً ليس من شأنك، ويقال: إنها قالت له ذلك بعد إقامتهم عنده أربعين يوماً وهو يذبح لهم فقالت له: إن مقام هؤلاء أسرع في غنمك، وسألته عما نزل به فذكره لها بعد أن راجعته مراراً فقالت: سبحان الله اتبع القضاء للمبال. فقال: فرجتها والله يا سخيلة أمسيت بعد هذا أم أصبحت، فخرج حين أصبح فقضى بذلك.
قلت: ويستفاد من هذه القضية فوائد: منها أن في ذلك ردعاً ومزدجراً لجهلة القضاة والمفتيين، فإن هذا مشرك توقف في حكم حادثة أربعين يوماً ولم يتجرأ على أن يحكم بغير علم، وقد كانت الصحابة الذين هم أعلم الأمة يتوقفون ولا يبادرون. قال ابن أبي ليلى: أدركت في هذا المسجد مائة وعشرين من الصحابة ما سئل أحدهم عن مسألة إلا وودَّ أن صاحبه كفاه، وكان بعضهم يحيل على بعض، وفي المواق أن الإمام النعالي سئل من برقة عمن قال لامرأته: إن فعلت كذا فلست لي بامرأة فبقي سنة كاملة يتأملها فما خرج الحكم بلزوم الطلاق إلا بعد مضي سنة، وعليه عول (خ) في قوله: أولست لي بامرأة إلا أن يعلق في الأخير. ومنها: أن الحكمة في العلم قد يخلقها الله تعالى على لسان من لا يظن به معرفتها كهذه الأمة وإن عجز عنها أهل الفطنة والعقول الراسخة، وفي التنزيل: يؤتي الحكمة من يشاء} (البقرة: 269) الآية. ومنها: أنه ينبغي لمن نزل به أمر معضل أن يستعين بغيره كما فعل هذا الجاهلي، ولو كان الغير دونه عقلاً وعلماً لأنه قد يوجد في النهر ما لا يوجد في البحر. ومنها: وجوب الإنصاف إذا ظهر الحق كما أنصف هذا الجاهلي لهذه الأمة، واعترف لها بالحق والفضل، وما أقبح بالإنسان أن يستفيد ويجحد، ولله در شهاب الدين القرافي وكان يتمثل به كثيراً حيث قال:
وإذا جلست إلى الرجال وأشرقت ** في جو باطنك العلوم الشرد

فاحذر مناظرة الجهول فربما ** تغتاظ أنت ويستفيد ويجحد

ومنها: أن المذاكرة سبب النفع كما تذاكر هذا الجاهلي مع هذه الأمة، وقد قيل فهم سطرين خير من حفظ، وقرين ومذاكرة اثنين خير من هذين ولله در القائل:
ولله قوم كلما جئت زائراً ** وجدت قلوباً كلها ملئت حلما

إذا اجتمعوا جاءوا بكل فضيلة ** ويزداد بعض القوم من بعضهم علما

ومنها: أن قول الإنسان لا أدري لا ينافي كمال العلم والفهم كما فعل الجاهلي حيث قال: امهلوني. وكان ابن عمر رضي الله عنه يُسأل عن عشر مسائل، ويجيب عن واحدة. ويقول في الباقي: لا أدري، وسئل مالك عن ثمان وأربعين مسألة فقال في اثنين وثلاثين منها: لا أدري، ومن كلامه رحمه الله: إذا سئلت عن علم وأنت لا تعلمه فقل: لا أدري، فإن الله يعلمك ما لم تكن تعلم، وفي الحكم من رأيته مجيباً عن كل ما سئل، ومعبراً لكل ما شهد، وذاكراً لكل ما علم، فاستدل بذلك على جهله، والواو في كلامه بمعنى (أو) إذ كل من الثلاثة دليل الجهل، وذلك لأن الجواب عن كل سؤال يتضمن دعوى الإحاطة بالعلم وليست إلا لعلام الغيوب. ومنها: أن الرياسة لا تحصل إلا بالعلم إذ النفوس لا تذعن إلا لمن كان أعلم منها، فالعرب إنما اتخذوا ابن الظرب رئيساً لما اعتقدوا فيه من فهم المشكلات وحل المعضلات، ولم يخلق الله تعالى أشرف مع العلم، وبه شرفت الملائكة والأنبياء، ومن أجله سجدت الملائكة لآدم حين علمه ربه الأسماء، ولم يأمر الله سبحانه نبيه بطلب الزيادة من شيء إلا من العلم فقال: يا محمد وقل رب زدني علماً، ولذا حث النبي عليه السلام على طلبه فقال (اطلبوا العلم ولو بالصين) وقال (كل يوم لا أزداد فيه علماً يقربني إلى الله فلا بورك لي في طلوع شمس ذلك اليوم) فقال الفقهاء: العلم الذي يطلب ولو بالصين هو علم الحلال والحرام، وقال المفسرون: هو علم كتاب الله العزيز، وقال المحدثون: هو علم الحديث، وقال الصوفية: هو علم النفس، والصحيح أن الحديث الكريم شامل لذلك كله، إذ علم الحلال والحرام مستنبط من الكتاب والسنة وعلم النفس راجع إلى ذلك كله. وهذا كله في العلم النافع إذ ما من فضل ورد فيه إلا وهو خاص به، فقد قال عليه السلام (العلم علمان علم في اللسان فقط وهو حجة الله على عبده، وعلم في القلب وهو العلم النافع). قال أبو زيد عبد الرحمن السلمي رضي الله عنه، والترمذي وغيرهما: كل علم لا يورث لصاحبه خشية في قلبه ولا تواضعاً ولا نصيحة لخلقه ولا شفقة عليهم ولا امتثالاً للأوامر ولا اجتناباً للنواهي ولا حفظاً للجوارح، فهو العلم المحجوج به العبد المحفوظ في اللسان فقط، إذ الشهوات غالبة عليه أطفأت نوره وأذهبت ثمرته وهو العلم الغير النافع، وكل علم تمكن في القلب وحصل به تعظيم الرب وأورث لصاحبه خشية وتواضعاً ونصيحة للخلق وشفقة عليهم، وامتثال الأوامر واجتناب النواهي فهو العلم النافع، وقد استعاذ عليه السلام من علم لا ينفع فقال (أعوذ بالله من علم لا ينفع وقلب لا يخشع) وقال: (ما آتى لله عبداً علماً فازداد للدنيا حباً إلا ازداد من الله غضباً وبعداً): وقال: (أشد الناس عذاباً يوم القيامة عالم لا ينفعه علمه) وقال تعالى: {يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين} (الأحزاب: 30) الآية. وما ذاك إلا لكونهن رضي الله عنهن أعلم الناس بشريعته وسنته فبمخالفتهن لشريعته مع علمهن بها وجبت مضاعفة العذاب والخطاب لهن ولجميع الأمة، لأن العالم إذا خرج عن الطريق تبعه الجاهل، واعتقد أن ذلك حلال فيكون هذا الخارج قد أهلك نفسه وأهلك غيره كما قال عليه السلام (إن الله لا ينزع العلم من صدور الرجال انتزاعاً ولكن يقبضه بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساء جهالاً فسئلوا فأفتوهم بغير علم فقد ضلوا وأضلوا أي هلكوا وأهلكوا). وقوله: بغير علم يعني إما عن جهل ابتداء وإما بعد علم، وأفتى بغير علم عمداً وإثبات الضلال والهلاك للأتباع يدل على أنهم لا يعذرون بخطئهم في الإعتقاد وهو صريح قوله تعالى: {ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذاباً ضعفاً من النار} (الأعراف: 38) يعني أن الكفار يقولون يوم القيامة: ربنا هؤلاء الأحبار والرؤساء أضلونا، وزعموا أن ما يدعوننا إليه من عبادة الأوثان واتباع الشهوات ومخالفة الأنبياء هو الطريق الحق فاعتقدنا ذلك. ونحن لا نعلم فاعذرنا وآتهم عذاباً ضعفاً من النار. قال تعالى: {لكل ضعف} (الأعراف: 38) فسوى بين المتبوع والتابع في مضاعفة العذاب ولم يعذر التابع بخطئه في اعتقاده، وقولهم من قلد عالماً لقي الله سالماً معناه إذا كان العالم مشهوراً بالعلم والتقوى، فالتقوى تمنعه من أن يقول باطلاً، والعلم يعرف به ما يقول، وإن لم يكن كذلك، فلا يجوز استفتاؤه ولا تقليده ومقلده مغرور لاحق له الوعيد المذكور.
وَابْنُ اللعان إرْثُهُ بأُمِّهِ ** ما كَانَ وَالسُّدُسُ أقْصى سَهْمِهِ

(و) لا يرث ملاعن من ملاعنة التعنت بعده فإن مات قبل التعانها ورثها، وكذا لا ترث ملاعنة من زوجها الملتعن قبلها لا إن التعنت هي قبله ومات قبل التعانه فترث، فإن مات بعد التعانه الواقع قبل التعانها فعلى القول بوجوب إعادتها ترثه، وعلى مقابله لا ترثه هذا حكم الزوجين المتلاعنين، وأما (ابن اللعان) الذي وقع اللعان فيه فإنما (إرثه بأمه) فقط (ما كان) ذكراً كان أو أنثى واحداً أو متعدداً فلا يرثه أبوه الملاعن فيه ولا يرث هو أباه لانقطاع نسبه منه باللعان إلا أن يستلحقه فيجلد أبوه للقذف، ويقع التوارث بينه وبين أبيه حينئذ، وإذا ثبت إرثه بأمه فماتت فيرثها أو مات هو فترث منه فرضها وترث منه جدته لأمه إن لم تكن هناك أم دون جدته لأبيه، وإذا مات أخوه الملاعن فيه أو غيره ورثه. (والسدس أقصى سهمه) منه حيث اتحد فإن تعدد ورث الثلث كما تقدم في الإخوة للأم من أن الواحد منهم له السدس والمتعدد له الثلث.
وَتَوْأَمَاهُ هَبْهُمَا تَعَدَّدَا ** هُما شَقِيقَانِ فِي الإرْثِ أَبَدَا

(وتوأماه) أي اللعان يعني توأمي الحمل الذي وقع اللعان فيه (هبهما تعددا) بأن وضعت ثلاثاً أو أربعاً من ذلك الحمل (هما شقيقان في الإرث أبداً) فإذا مات أحد التوأمين انفرد التوأم الآخر بإرثه حيث لم يكن هناك أم ولا إخوة لأم، فإن كانوا ورثت أمه السدس وإخوته لأمه الذين لم يقع اللعان فيهم الثلث وورث التوأم الباقي ما بقي بالتعصيب، وفهم منه أن غير التوأمين ليسا شقيقين، فإذا وقع اللعان في أربعة أولاد كل واحد من حمل، فإنما يتوارثون إذا مات أحدهم بالإخوة للأم فقط، ومثل توأمي الملاعنة توأما المستأمنة والمسبية بخلاف توأمي الزانية والمغتصبة، فإن توارثهما بالإخوة للأم فقط على المشهور.
خاتمة:
وَمَا قَصَدتُ جَمْعَهُ هنَا انْتَهَى ** وَالحمدُ لله بِغيْرِ مُنْتَهَى

(وما قصدت جمعه) من تقرير الأحكام التي يكثر دورانها بين القضاة والحكام (هنا انتهى) وكمل. ولما كان إلهامه لهذا التأليف وخلق القدرة له عليه حتى أتمه من أجل النعم، ومهماتها حمد الله تعالى على ذلك بقوله: (والحمد لله بغير منتهى) إذ كل نعمة تستوجب حمداً عليها، ولاسيما النعمة التي يدوم ثوابها لصاحبها بدوام الانتفاع بها كالتأليف لأنه من الأعمال التي لا تنقطع بالموت لحديث: (إذا مات المرء انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو ولد صالح يدعو له أو علم يبثه في صدور الرجال).
وبالصَّلاةِ خَتْمُهُ كما ابْتُدِي ** عَلى الرَّسُولِ المُصْطَفَى مُحمّدِ

(وبالصلاة) خبر عن قوله (ختمه) وضميره للنظم الذي قصد جمعه (كما ابتدي) بضم التاء مبنياً للمفعول ونائبه عائد على النظم، وما مصدرية والكاف تتعلق بالاستقرار في الخبر، والجملة خبرية قصد بها الإنشاء أي: وانشئ مختم هذا النظم بالصلاة كابتدائه بها تبركاً بها في المحلين لما قيل من إنها مقبولة قطعاً، والمولى سبحانه أكرم من أن يقبل للصلاتين ويدع ما بينهما (على الرسول) يتعلق بالصلاة وهو إنسان أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه (المصطفى) المختار من جميع الخلق (محمد) بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة ابن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس ابن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
وَآلِهِ وَصَحْبِهِ الأَخْيَارِ ** مَا كُوِّرَ اللَّيْلُ عَلَى النَّهَارِ

(وآله) هم أقاربه المؤمنون من بني هاشم، وقيل: والمطلب وهو أخو هاشم، وقيل هم بنو قصي، وقيل كل من اتبعه وآمن به فهو من آله (وصحبه) اسم جمع لصاحب بمعنى الصحابي لا جمع لصاحب الذي هو مطلق الصحبة لأن الصحابي أخص، إذ هو كل من اجتمع مؤمناً بالنبي عليه الصلاة والسلام ورآه أو لم يره ومطلق الصاحب أعم (الأخيار) جمع خير بعد تخفيفه والخير المختار. قال تعالى: {كنتم خير أمة} (آل عمران: 110) ثم وقّت هذه الصلاة بما يفيد الدوام والاستمرار فقال: (ما) ظرفية مصدريه (كور) أي أدخل (الليل على النهار) فيزيد وأدخل النهار على الليل فيزيد أيضاً أي مدة تكوير أحدهما على الآخر، وذلك مدة بقاء الدنيا.
قال مقيد هذا الشرح المبارك علي بن عبد السلام التسولي السبراري: هذا آخر ما قصدناه من شرح هذا النظم المقسم، فالحمد لله على ما أنعم وألهم فجاء شرحاً موفياً للمرام جامعاً إن شاء الله لأشتات المسائل التي يكثر نزولها بين الحكام ينتفع به البادي ويستحسنه الشادي، وها أنا أختمه أيضاً اقتداء بمؤلفه رحمه الله بالحمد لله والصلاة والسلام على نبيه (صلى الله عليه وسلم) عدد ما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون، وعدد ما في علم الله من يوم خلق الدنيا إلى قيام الساعة وأحمده تعالى بجميع محامده كلها ما علمت منها وما لم أعلم على نعمه كلها ما علمت منها وما لم أعلم حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، لا أحصي ثناء عليه كما هو أثنى على نفسه، وأسأله تعالى أن ينفع به من كتبه أو طالعه أو سعى في شيء منه كما نفع بأصله نفعاً يدوم بدوام الله مدده، ويبقى لآخر الأبد مدده، وأن يجعله خالصاً لوجهه الكريم موجباً للخلود مع الأحبة والمسلمين في جنة النعيم بجاه عين الرحمة الواسطة في كل نعمه سيدنا محمد المصطفى الكريم القائل: توسلوا بجاهي فإن جاهي عند الله عظيم، وأعتذر لذوي الألباب من الخلل الواقع فيه فينظرونه بعين الرضا، ويتأولون ما به القلم طغى من لفظ لا يحاكيه ولا يدانيه أو معنى لا يوافيه ولا يجاريه والله يجازي الجميع على نيته بخير الدارين خير الدنيا وخير الآخرة ويعفو عما اقترفه الكل عفواً يحيط بالذنوب المتقدمة والمتأخرة، فإنه سبحانه جواد كريم لا تنفعه طاعة ولا تضره معصية ولا ينقص ملكه بمجاوزته عن عبد مثلي عظيم الفرية، اللهم رب كل شيء وولي كل شيء وقاهر كل شيء وفاطر كل شيء، والعالم بكل شيء، والحاكم على كل شيء، والقادر على كل شيء، بقدرتك على كل شيء اغفر لي ولمن نظر في هذا الكتاب والمسلمين كل شيء. وهب لنا ولهم كل شيء، ولا تسألنا عن شيء ولا تحاسبنا بشيء إنك على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير، ويرحم الله عبداً يقول: آمين وسلام على كافة رسل الله أجمعين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، ووافق الفراغ من تأليفه يوم الثلاثاء ثالث عشر شوال عام ستة وخسمين ومائتين وألف. قيل لأبي الدرداء: فلان أعتق مائة رقبة. فقال: إيمان ملزوم ولسانك رطب بذكر الله أفضل من ذلك، والقلب الخاشع هو الذي ماتت شهواته فذلت النفس لله وبرئت من الكبر والعجب وسيئ الأخلاق وخشع القلب بما طالع من جلال الله الملك الحق وعظمته، والعلم النافع هو الذي تمكن في الصدر وتصور وانشرح به القلب وتنور، وذلك أن النور إذا أشرق في القلب فصغرت الأمورحسنها وسيئها كل ما هو عليه، ووقع لذلك ظل الصدر هو صورة الأمور فيأتي حسنها ويجتنب سيئها، فذلك العلم النافع من نور القلب خرجت تلك المعالم إلى الصدور وهي علامات الهدى وما تعلمه قبل ذلك هو علم اللسان إنما هو شيء قد استودع الحفظ والشهوة غالبة عليه، وإذا غلبت عليه أذهبت بضلمتها ضوءه فلا يكون به منتفع، اللهم إنا نعوذ بك من علم لا ينفع وقلب لا يخشع ودعاء لا يسمع ونفس لا تشبع، نعوذ بك من هؤلاء الأربع ونسألك علماً نافعاً وعملاً صالحاً متقبلاً ورزقاً واسعاً حلالاً وعمراً طويلاً مباركاً، ونسألك العافية في الدين والدنيا والآخرة برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم أبسط علينا رحمتك في الدنيا والآخرة وانشر علينا رحمتك في الدنيا والآخرة واتمم علينا نعمتك يا أكرم الأكرمين، اللهم إنا نسألك عيشاً قاراً وعملاً باراً ورزقاً داراً وعافية كاملة ونعمة شاملة فإنه لا غنى لنا عن خيرك وبركتك يا أرحم الراحمين، اللهم صلِّ وسلم على سيدنا ومولانا محمد عبدك ورسولك النبي الأمي الحبيب العالي القدر العظيم الجاه عدد ذرات الكونين وأنفاس الثقلين، وعلى آله وصحبه أجمعين آمين. والحمد لله رب العالمين، اللهم إنا نسألك العفو والعافية والمغفرة والرحمة لنا ولوالدينا وأولادنا وإخواننا ولجميع المسلمين، وخصوصاً المحبين والمعتقدين وأن تنفع بهذا التأليف من كتبه أو قرأه أو حصله أو سعى في شيء منه بفضلك يا أرحم الراحمين. يا رب العالمين أنت ولينا ومولانا ونعم المولى ونعم النصير، ولا حول ولا قوة إلا بك، عليك توكلت وإليك أنيب ولا ملجأ لي منك إلا إليك، فاغفر بفضلك ما قدمت وما أخرت وما علمت يداي وما سطرته الحفظه علي يا كريم الصفح يا عظيم المن يا حسن التجاوز يا خير المسؤولين. ويا أكرم المعطين، اللهم شفع فينا سيدنا ومولانا محمداً (صلى الله عليه وسلم) وعلى آله وأصحابه أجمعين، والحمد لله رب العالمين وهو حسبي ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
قال مقيد هذا الشرح المبارك علي بن عبد السلام التسولي السبراري: هذا آخر ما قصدناه من شرح هذا النظم المقسم، فالحمد لله على ما أنعم وألهم فجاء شرحاً موفياً للمرام جامعاً إن شاء الله لأشتات المسائل التي يكثر نزولها بين الحكام ينتفع به البادي ويستحسنه الشادي، وها أنا أختمه أيضاً اقتداء بمؤلفه رحمه الله بالحمد لله والصلاة والسلام على نبيه (صلى الله عليه وسلم) عدد ما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون، وعدد ما في علم الله من يوم خلق الدنيا إلى قيام الساعة وأحمده تعالى بجميع محامده كلها ما علمت منها وما لم أعلم على نعمه كلها ما علمت منها وما لم أعلم حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، لا أحصي ثناء عليه كما هو أثنى على نفسه، وأسأله تعالى أن ينفع به من كتبه أو طالعه أو سعى في شيء منه كما نفع بأصله نفعاً يدوم بدوام الله مدده، ويبقى لآخر الأبد مدده، وأن يجعله خالصاً لوجهه الكريم موجباً للخلود مع الأحبة والمسلمين في جنة النعيم بجاه عين الرحمة الواسطة في كل نعمه سيدنا محمد المصطفى الكريم القائل: توسلوا بجاهي فإن جاهي عند الله عظيم، وأعتذر لذوي الألباب من الخلل الواقع فيه فينظرونه بعين الرضا، ويتأولون ما به القلم طغى من لفظ لا يحاكيه ولا يدانيه أو معنى لا يوافيه ولا يجاريه والله يجازي الجميع على نيته بخير الدارين خير الدنيا وخير الآخرة ويعفو عما اقترفه الكل عفواً يحيط بالذنوب المتقدمة والمتأخرة، فإنه سبحانه جواد كريم لا تنفعه طاعة ولا تضره معصية ولا ينقص ملكه بمجاوزته عن عبد مثلي عظيم الفرية، اللهم رب كل شيء وولي كل شيء وقاهر كل شيء وفاطر كل شيء، والعالم بكل شيء، والحاكم على كل شيء، والقادر على كل شيء، بقدرتك على كل شيء اغفر لي ولمن نظر في هذا الكتاب والمسلمين كل شيء. وهب لنا ولهم كل شيء، ولا تسألنا عن شيء ولا تحاسبنا بشيء إنك على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير، ويرحم الله عبداً يقول: آمين وسلام على كافة رسل الله أجمعين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، ووافق الفراغ من تأليفه يوم الثلاثاء ثالث عشر شوال عام ستة وخسمين ومائتين وألف.